استخدام الفوضى في تحطيم اطراف دولة غير مستقرة بالفعل لا يؤدي إلا تخبط واضح في قرارات الاطراف المتناحرة و بالتالي تؤثر مباشرة في المستقبل (القريب) لهذه الدولة. و ان الفوضى تختلف اختلاف كلي عن الحرب الاهلية او الثورة المنظمة :-
الحرب الاهليه تكون في الغالب بين طرفين أو أكثر كل منهم له قاعدته و له جمهوره و اهدافه و غالبا ما تنتهي بإنتصار احد الطرفين على الاخر (كمثل امريكا - الصين) و تبدأ غالبا بفوضى , او يتم عمل تسويه فينقطع كل منهم بأرضه التي يسيطر عليها (كوريا - السودان) , و نادراً ما نتنهي بتسويه (غير مقفله) كمثل (لبنان او اليمن).
الثورة المنظمة:- هي ثورة يخلقها طرف (تحريضاً او ترتيباً او حتى فكرياً) و غالباً قد يكون هذا الطرف في الدولة هو الاضعف و تنتهي إما بالفشل الآني كمثل ثورة التبت او بالفشل في تحقيق اغراضها و عادة تحقق بعد فترة ليست باليسيرة (الثورة الفرنسية - البلشفية) أو ثورة ناجحه تماماً كمثل ثورة الخميني(دينية) او ثورة كاسترو(عسكرية).
أما الفوضى : فهي استخدام ادوات غير منظمة في عدة ضربات عشوائية لاحراز نتائج غير متوقعه.
----------------------------------------------------
( الكيفية و النتائج):-
1- في حالة انتصار الدولة المنظمة على الفوضى.
2- في حالة انتصار الفوضى على الدولة المنظمة.
----------------------------------------------------
أولاً:- انتصار الدولة على الفوضى:
هناك عدة محاولات في التاريخ للقضاء على الفوضى و عودة الاستقرار للدولة ابرزها في تاريخنا العربي القديم: فوضى الحشاشين و الجديد: فوضى الاسلاميين في الجزائر و كلاهما تم التعامل معها بطريقتين مختلفتين:-
اما الاولى:- الطريقة الحربية و العنف ... فكان التعامل معها على حوالي 600 سنه او اكثر فكان اول ظهورهم كنتيجة للثورة على سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه و اختلاف الناس على الخليفة من بعده فقرروا ان يقتلوا الثلاثه (علي-معاوية-عمرو) رضي الله عنهم و نجحوا في قتل سيدنا علي كرم الله وجهه و من هذه الواقعه تحولت الحشاشين الى جماعه غير منظمه تستهدف قتل اولياء الامور لنشر الفوضى .. و تم محاربة هذه الحركة بالسلاح المباشر و قطع الاوصال حتى اختلفوا و انتشروا ليجدوا ضالتهم في الجماعة الشيعية الاسماعلية التي استخدمتهم و بنت ممكلتها على نشر الفوضى في الممالك حولها و من ابرز الممالك التي نشرت الفوضى فيهم السلاجقه و الخوارزمية و الايوبية و لعل اشهر حادثة اغتيال كانت محاولة قتل الناصر صلاح الدين الايوبي بعد فتحه للقدس الشريف (ارجعه الله لنا) ... و لكن ظلت تلك الحركه الزئبقية الخبيثة في جسد العرب حتى القرن الخامس هجري حين اعلنت دولتها المستقلة من قلعه آلموت .. فكان جمعهم سهل القضاء عليهم .. فآتي عليهم جنكيز خان المنغولي قتلاً و طرداً حتى افناهم جميعاً في القرن السادس.
نتيجه طريقة العنف : و هي لا نتيجة فعلية الا بعض الانتصارات الوقتية التي تخفف الحدة تارة و تشعلها تارة أخرى .. لذا اثبت التاريخ فعلياً ان الدولة المنظمة اذا استخدمت العنف فقط ضد الفوضويين لن تحصد إلا فشلاً و لدينا امثلة عنف امريكا و افغانستان امام طالبان و امريكا ضد الضربات الفوضويه لتشي جيفارا و الخلافات الاسلامية بأنواعها امام الحشاشين.
أما الثانية:- طريقة المشاورة و المصالحة و تخفيف الحدة ... انتشرت عمليات الفوضى من قبل الاسلامين الذين تم طردهم من السلطة في عام 1991 بل و مطاردتهم في جميع انحاء الجزائر و محاكمتهم بمحاكم هزلية مفبركه للقضاء على وجودهم تماماً .. و بعد عده محاولات فاشلة لاعادة المسار الديمقراطي مرة أخرى توجه ما تبقى من الاسلامين و المتعاطفين معهم الى رفع السلاح في وجه الدولة المنظمه المتمثله في الجيش و الشرطه بعده ضربات فوضويه لا هدف لها حقاً إلا زعزعه الاستقرار (المزعوم) و لم تستطع الدولة أبداً في دحرهم او ايقافهم إلا بعد اكثر من عشر سنوات كاملة بدون استقرار فعلي او اقتصاد قوي .. إلى ان طرح الرئيس عبد العزيز بوتفليقه قانون المصالحة الوطنية عام 2005 و أبرزه بنوده عدم ملاحقة الفوضويين قضائياً و امكانية عودتهم مرة أخرى الى الحياة الاقتصادية و السياسية و قد تم وعوده فأختفت (تدريجياً) الفوضوية في الجزائر.
نتيجة طريقة المصالحة: و هي اكثر فاعلية و سرعة للقضاء على الفوضى المنظمة او الغير منظمة و نتيجتها وضحت في الجزائر بعد استقرار الاوضاع اقتصادياً و سياسياً.
----------------------------------------------------
ثانياً انتصار الفوضى على الدولة :-
اكثر من محاولة فوضوية الحقيقة باءت بنتائج غريبه و غير متوقعه فأدت الى دولة منظمة و قويه. و لها ايضا انواع:-
1- فوضى مثارة من قبل طرف غير منظم:-
الكيفية :- أبرزها في تاريخنا العربي قيام الدولة العباسية على فوضى غير منظمة عن طريق اجتماع الناس حول الحزب المعارض الاكثر بروزا للامويين و هو الحزب العلوي المنادي باحقية الخلافة لابناء سيدنا علي رضى الله عنه و لكن هذا الحزب لم يكن منظما كفاية ليحكم فاستمال الناس الحزب الثاني الاكثر هدوئاً و رصانه و ترتيباً و هو الحزب العباسي و لم يكن في الحقيقة داعياً الى خلافة او دولة بل الحقيقة ان خراسان اقامت الخلافة في ابناء العباس لاسباب غضبهم من الامويين و عدم موافقتهم على مواقف العلويين... فتحرك ابو العباس المكنى بالسفاح لكثرة الدماء التي سفحها سرا الى الكوفه فأشعل الفوضى في العراق و بايعه اهل الكوفه فبنى جيشاً التقى به مع جيش الامويين على ضفاف نهر الزاب في شمال العراق فانتصر فيه نصراً كبيراً مهد له الامر لغزو دمشق ثم مصر فبقية العالم العربي.
ما يهمنا نحن هنا هو الفوضى الغير منظمه التي افتعلت من قبل انصار العلويين الغير منظمين في الخلافة الاموية فأضعفوها و لكن هناك عدة خصائص المت بتلك الفوضى و هي انها اخذت من المجهود و العنف و الاعتقالات مأخذها فمنيّ العلويين بالقتل و الحبس دون نتيجه حقيقة تذكر و أخذت منهم الوقت الكثير منذ بداية موت معاوية بن ابي سفيان رضى الله عنه الى نهاية الفترة الاموية على يد مروان بن محمد و هي حوالي 80 عام من اثارة الفوضى.
النتيجة:- حيازة طرف ثالث غير الطرف الفوضوي او الطرف المنظم على الدولة و اقامة دولته الخاصه و بالتالي تقريب الطرف الفوضوي لامتصاص الفوضى و مطاردة الطرف الآخر.
2- فوضى مثارة من قبل طرف منظم:-
الكيفية:- و هي اشعال فوضى غير منظمه في انحاء البلاد من قبل طرف منظم و هي الاكثر نجاحاً و اكثر تأثيراً و أتت معظمها بنتائج غير متوقعه و أعلى بكثير من طلبات الطرف المنظم ... قد يكون من ابرزها:-
- القضاء على الدولة العثمانية من قبل الحركة الكمالية المنبثقة من جمعية الاتحاد و الترقي التي لها صولات و جولات في زعزعه الاستقرار تحت اقدام الخلفاء العثمانيين.
- الحركة الصهيونية في فلسطين تحت الحكم الانجليزي عن طريق عمل فوضى غير منظمة و دموية أدت الى زعزعه استقرار المحتل الانجليزي و اثارة الخوف و الرعب بين الاهالي الاصليين للبلاد.
النتيجة:- قيام دولة منظمه لها اصول ثابتة و قوانين واضحه بما فيه الكفاية لبناء دولة قوية احكمت قبضتها على جميع الاطراف بدون تقريب أحد.
(تمت)
ايهاب عماد الدين محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق